الأخلاق : فضائل الدوله

الأخلاق : فضائل الدوله

لمیخائیل باکونین

ترجمه : مازن کم الماز

ابحاث یساریه واشتراکیه وشیوعیه

یفترض وجود دوله واحده محدوده وجود دول متعدده , أو أن یحرض على تشکیلها عند الضروره , من الطبیعی تماما أن الأفراد الذین یجدون أنفسهم خارج هذه الدوله و الذین تهدد هذه الدوله وجودهم و حریتهم , یجب بدورهم أن یجتمعوا ضدها . لدینا هنا الإنسانیه و قد مزقت إلى عدد غیر محدد من الدول , الأجنبیه , المتعادیه و التی تهدد بعضها البعض.

لیس هناک حق عام , و لا عقد اجتماعی بینها , لأنه إذا وجد مثل هذا العقد و الحق , ستکف الدول المختلفه عن أن تکون مستقله بشکل مطلق عن بعضها , و ستصبح أعضاء متحدین فی دوله واحده کبرى . ما لم تشمل هذه الدوله الکبرى کل البشریه , فإنها ستجد فی مواجهتها عداء بقیه الدول الکبرى , المتحده داخلیا . لذلک ستکون الحرب هی القانون الأبرز و الضروره الداخلیه لوجود البشریه نفسه
على کل دوله سواء أکانت ذات صفه اتحادیه أم لا أن تسعى تحت طائله التدمیر النهائی لتصبح أکثر الدول قوه . علیها أن تبید البقیه کیلا تتعرض للإباده هی نفسها , أن تخضع البقیه کیلا تتعرض هی للإخضاع , أن تستعبد کیلا تتعرض هی للاستعباد – لأن قوتین متشابهتین و فی نفس الوقت أجنبیتین , لا یمکنهما الوجود جنبا إلى جنب دون أن تدمر أحدهما الأخرى.

الدوله عندئذ هی أکثر نفی صارخ , النفی الأکثر سخریه و کمالا للإنسانیه . إنها تمزق التضامن الشامل بین کل البشر على الأرض , و هی توحد بعضهم فقط بقصد تدمیر , إخضاع , و استعباد البقیه . إنها تقدم حمایتها لمواطنیها فقط , و هی تعترف بحقوق الإنسان و الإنسانیه و التحضر فقط داخل حدودها . و لأنها لا تعترف بأی حق خارج حدودها فإنها تنسب لنفسها بشکل منطقی تماما حق معامله کل الشعوب الأجنبیه بأکثر الطرق الهمجیه و غیر الإنسانیه , یمکنها أن تنهبها , أو تبیدها أو تخضعها لإرادتها . و إذا أظهرت شیئا من الکرم أو الإنسانیه تجاهها فإنها لا تفعل ذلک فی أی حال انطلاقا من إحساسها بالواجب : و ذلک لأنها لا تملک أی واجب إلا لنفسها فقط , و تجاه أعضائها الذین یشکلونها بواسطه الاتفاق الحر , و الذین یستمرون بتشکیلها على نفس الأسس الحره , أو , کما یحدث على المدى البعید , یصبحون رعیتها أو أتباعها.

لأن القانون الدولی غیر موجود , و لأنه لا یمکن أن یوجد بطریقه جدیه وفعلیه دون أن یضعف نفس أسس مبدأ سیاده الدوله المطلقه , فلیس للدوله أیه واجبات تجاه الشعوب الأجنبیه . و إذا قامت عندها بمعامله شعب مغلوب بشکل إنسانی , إذا لم تذهب إلى أبعد مدى فی سلبه و إبادته , و لم تدفعه إلى أدنى درجات العبودیه , فإنها تفعل ذلک ربما بسبب اعتبارات النفعیه و الحصافه السیاسیه , أو حتى بسبب المروءه المحضه , لکن لیس أبدا بسبب أن هذا هو واجبها – لأن لدیها حق مطلق فی التخلص منها بأی طریقه تجدها مناسبه.

هذا النفی الصارخ للإنسانیه , الذی یشکل جوهر الدوله نفسه , هو من وجهه نظر الأخیره واجبها الأسمى و أعظم فضائلها : إنها تسمى الوطنیه و هی تشکل الأخلاق المتعالیه للدوله . إننا نسمیها بالأخلاق المتعالیه لأنها تتجاوز عاده مستوى الأخلاق و العداله الإنسانیه , سواء أکانت خاصه أو عامه , و لذلک فإنها تضع نفسها غالبا فی تناقض معها . لذلک , على سبیل المثال , إن إیذاء , اضطهاد , سرقه , نهب , قتل , أو استعباد شخص من نفس الدوله یشکل , بالنسبه للأخلاق العادیه للإنسان , ارتکاب جریمه خطیره.

لکن , على النقیض من ذلک , ففی الحیاه العامه , انطلاقا من وجهه نظر الوطنیه , عندما یفعل کل ذلک فی سبیل المجد الأعلى للدوله بقصد المحافظه على قوتها أو زیادتها , یصبح کل ذلک واجبا و فضیله . و هذا الواجب , هذه الفضیله , إلزامی على کل مواطن وطنی . یتوقع من کل فرد أن یقوم بهذه الواجبات لیس فقط فیما یتعلق بالغرباء بل أیضا فیما یتعلق بمواطنیه , أعضاء و أتباع أو رعایا نفس الدوله , فی أی وقت یتطلب ذلک صالح الدوله.

إن القانون الأعلى للدوله هو حفظ ذاتها بأی ثمن . و طالما أن کل الدول , منذ أن وجدت على الأرض , قد حکم علیها بالصراع الأزلی – صراع ضد شعوبها بالذات , التی تقمعها و تدمرها , و صراع ضد کل الدول الأجنبیه , عندها یمکن لکل دوله أن تکون قویه فقط إذا کانت بقیه الدول ضعیفه – و لأن الدول لا یمکنها الصمود فی هذا الصراع ما لم تستمر بتعزیز سلطتها ضد أتباعها أو رعیتها بالإضافه إلى الدول المجاوره – ینتج عن هذا أن القانون الأعلى للدوله هو تقویه سلطتها نحو إلحاق الضرر بالحریه الداخلیه و العداله الخارجیه.

هذا هو فی حقیقته الصارخه الأخلاق الوحیده للدوله , هدفها الوحید . إنها تعبد الإله نفسه فقط لأنه إلهها الحصری , القبول بسلطتها و ما تسمیه حقها , الذی هو الحق فی الوجود بأی ثمن و أن تتوسع دوما على حساب بقیه الدول . أی شیء یخدم الوصول إلى هذه الغایه هو شیء جدیر , شرعی , و فاضل . و أی شیء یلحق به الضرر هو إجرامی . إن أخلاق الدوله إذن هی عکس العداله الإنسانیه و الأخلاق الإنسانیه.

هذه الأخلاق المتعالیه , فوق الإنسانیه , و بالتالی المعادیه للإنسانیه للدوله لیست فقط نتیجه لفساد البشر المکلفین بالقیام بوظائف الدوله . قد یقول أحدهم و هو محق أن فساد البشر نتیجه طبیعیه و ضروریه لمؤسسه الدوله . هذه الأخلاق هی فقط نتیجه تطور المبدأ الأساسی للدوله , التعبیر الحتمی لضرورتها الداخلیه . لیست الدوله إلا نفی الإنسانیه , إنها محدده جماعیا لکی تأخذ مکان البشریه و ترید أن تفرض نفسها على الأخیره کهدف نهائی , فیما یخضع کل شیء آخر لها و یخدمها.

کان هذا طبیعیا و یمکن فهمه بسهوله فی الأزمنه القدیمه عندما کانت فکره الإنسانیه نفسها غیر معروفه , و عندما کان کل شعب یعبد آلهته الوطنیه حصریا , التی تعطیه حق الحیاه و الموت على بقیه الشعوب . وجد الحق الإنسانی فقط بالنسبه لمواطنی الدوله . کل من بقی خارج الدوله قد حکم علیه بالنهب , المجازر و العبودیه.

تغیرت الأمور الیوم . أصبحت فکره الإنسانیه أکثر فأکثر قوه فی العالم المتحضر , و نتیجه لتوسع و تزاید سرعه وسائل الاتصال , و أیضا بفضل التأثیر , الذی ما یزال مادیا أکثر منه أخلاقیا , للحضاره على الشعوب البربریه بدأت فکره الإنسانیه تستحوذ حتى على عقول الشعوب غیر المتحضره . هذه الفکره هی القوه غیر المرئیه لقرننا , التی یجب على القوى الحالیه – الدول – أن تحسب حسابها . لا یمکنها أن تخضع لها بإرادتها الحره لأن إذعانا کهذا من جانبها سیساوی انتحارها , حیث أن انتصار الإنسانیه یمکن أن یتحقق فقط من خلال تدمیر الدول . لکن لا یمکن للدول أن تنکر هذه الفکره أکثر من ذلک أو أن تعادیها بشکل مکشوف , لأنها و قد أصبحت قویه جدا , قد تدمرها فی النهایه.

فی مواجهه هذا البدیل المؤلم یبقى أمامها طریق واحد فقط : و هو النفاق . تظهر الدول احترامها الظاهر لفکره الإنسانیه هذه , إنها تتحدث و تفعل بشکل ظاهری باسمها , لکنها تنتهکها فی کل یوم . لکن هذا یجب ألا یؤخذ ضد الدول . لأنها لا تستطیع أن تتصرف بطریقه أخرى , لقد أصبحت فی موقف بحیث أنه یمکنها الاستمرار فقط بواسطه الکذب . لیس للدبلوماسیه أیه مهمه أخرى.

لذلک ما الذی نراه ؟ فی کل مره ترید فیه دوله ما إعلان الحرب على دوله أخرى , فإنها تبدأ بإطلاق بیان لا یوجه فقط لأتباعها بل إلى العالم بأکمله . تعلن فی هذا البیان أن الحق و العداله إلى جانبها , و تعمل على إثبات أنها مدفوعه إلیها فقط بسبب حب السلام و الإنسانیه و أنها , مضمخه بالأحاسیس الکریمه و السلمیه , عانت طویلا فی صمت حتى أجبرها الظلم المتزاید لعدوها على تجرید سیفها . فی نفس الوقت تقسم أنها , و هی تحتقر کل الفتوحات المادیه و لا تسعى وراء أی زیاده فی أراضیها , ستضع حدا لهذه الحرب ما أن تستعاد العداله . و یجیب خصمها ببیان مشابه , حیث سیکون الحق , العداله , الإنسانیه , و کل الأحاسیس الکریمه بشکل طبیعی إلى جانبه.

هذه البیانات المتعارضه تکتب بنفس البلاغه , تتنفس نفس الغضب الأخلاقی , و کل منهما حسن النیه مثل الآخر , أی القول أن کلیهما متساو فی الوقاحه فی أکاذیبه , و أن المغفلین فقط هم من یخدعون بها . الأشخاص المدرکون , کل من یملک بعض الخبره السیاسیه , لا یتجشمون حتى عناء قراءه مثل هذه البیانات . على العکس تجدهم یبحثون عن وسائل للکشف عن المصالح التی تدفع العدوین إلى الحرب , و تحدید القوه الخاصه بکل منهما للتنبؤ بنتیجه الصراع . الذی یبرهن فقط أن القضایا الأخلاقیه لیست هی المهمه فی هذه الحروب.

حقوق الشعوب , بالإضافه إلى المعاهدات التی تنظم العلاقات بین الدول , تفتقد أی إلزامات أخلاقیه . التی تشکل فی أی مرحله تاریخیه معینه تعبیرا مادیا عن التوازن الناتج عن العداء المتبادل بین الدول . إنها ستکون فقط تأجیلا طویلا , مماطلات تم التوصل إلیها بین الدول المتحاربه إلى الأبد , لکن ما أن تشعر الدوله بأنها قویه بما یکفی لتدمیر هذا التوازن لمصلحتها , فإنها لن تعجز عن فعل ذلک . یثبت لنا تاریخ البشریه هذه الفکره بشکل کامل.

یوضح لنا هذا لماذا منذ أن بدء التاریخ , أی منذ ظهرت الدوله للوجود , فقد کان العالم السیاسی دوما و سیستمر کذلک مسرحا للخداع و اللصوصیه التی لا یشق غبارها – اللصوصیه و الخداع التی ترتکب بتعظیم کبیر , لأنها ترتکب باسم الوطنیه , باسم الأخلاق المتعالیه , و باسم المصلحه العلیا للدوله . یوضح لنا هذا لماذا أن کل تاریخ الدول القدیمه والحدیثه لیس إلا سلسله من الجرائم المقززه , لم أن الملوک و الوزراء الحالیین و السابقین فی کل البلاد – رجال الدوله , الدبلوماسیین , البیروقراطیین , و المحاربین – إذا حکم علیهم من وجهه نظر الأخلاق البسیطه و العداله الإنسانیه , فإنهم یستحقون المشانق و الأشغال الشاقه ألف مره.

لأنه لا یوجد هناک إرهاب , وحشیه , انتهاک للحرمات , شهاده زور , خداع , إجراءات شائنه , سرقه تبعث على السخریه , سرقه وقحه , أو خیانه , لم ترتکب و لا تزال ترتکب یومیا من قبل ممثلی الدوله , دون أی مبرر آخر سوى هذه العباره , المطاطه , و الملائمه فی بعض الأحیان و الرهیبه : منطق الدوله . عباره رهیبه بالفعل ! لأنها قد أفسدت و شوهت عددا من الأشخاص فی الدوائر الرسمیه و فی الطبقات الحاکمه فی المجتمع أکثر من المسیحیه نفسها . ما أن تقال ( أی هذه العباره ) حتى یصمت کل شیء و یغیب عن النظر : الشرف , الاستقامه , العداله , الحق , الرأفه نفسها تختفی و معها المنطق و الحس , یصبح الأسود أبیضا و الأبیض أسودا , یصبح الشنیع إنسانیا , و أکثر الجنایات خسه و أکثر الجرائم فظاعه أفعالا جدیره بالتقدیر.

ما هو مسموح للدوله محظور على الفرد . هذا هو مبدأ کل الحکومات . لقد قالها میکیافیلی , إن التاریخ إضافه إلى ممارسه کل الحکومات المعاصره تبرهن على هذه النقطه . إن الجریمه شرط ضروری لوجود الدوله نفسها , و تشکل لذلک احتکارها الحصری , و الذی ینتج عنه أن الفرد الذی یجرؤ على ارتکاب جریمه هو مذنب بمعنى مزدوج : إنه مذنب أولا ضد الوعی الإنسانی , و فوق کل شیء , إنه مذنب ضد الدوله بأن ینتحل لنفسه واحده من أکثر امتیازاتها الثمینه.

نقلا عن

 //flag.blackened.net/revolt/anarchists/bakunin.html

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=162449&r=0