المقاعد الخالیه – بیتر کروبوتکین

المقاعد الخالیه

بیتر کروبوتکین

ترجمه : مینا ناجی

” کتب کروبوتکین هذا النص ، آنذاک ، قبل نحو ۱۲۰ عاما من لحظتنا هذه ، متحدثا عن التناقضات الداخلیه لکومیونه باریس *، تلک التى عصفت بها – مع الأخطار الخارجیه – بعد وقت لیس بالطویل من نشأتها ، و مشیرا لبعض الأحداث الفرنسیه الأخرى ، و قد شدد على الفارق الواضح بین ما یتعلق بالانتفاضه و ما یتعلق بالثوره . و یبدو أن نفس النص یصلح تماما لالقاء الضوء على ملابسات المشهد المصرى ، الآن”

اننا ندرس جمیعا الجانب الدرامى للثوره کثیرا جدا ، و الجانب العملى قلیلا جدا . نمیل الى أن نرى فقط الآثار المسرحیه ، ان جاز التعبیر ، لهذه الحرکات العظیمه : قتال الأیام الأولى ، المتاریس . و لکن هذا القتال – هذا الصدام الأول – سرعان ما ینتهى . و بعد الاطاحه بالنظام القدیم فقط ، یمکن القول أن العمل الحقیقى للثوره یبدأ .

ینجرف الحکام القدامى بنفخه من انتفاضه – عاجزین ، منزوعى القوه ، و مهاجَمین من جمیع الجوانب . لم یعد هناک ملکیه برجوازیه ، خلال أیام قلیله من العام ۱۸۴۸ * ، و کانت باریس قد نست بالفعل ” ملکها المواطن ” بینما کان لویس فیلیب یتقن هروبه بمرکبه مغطاه . و اختفت حکومه تییر ، خلال ساعات قلیله من یوم الثامن عشر من مارس للعام ۱۸۷۱ ، تارکه باریس سیده مصیرها . مع ذلک ۱۸۴۸ و ۱۸۷۱ لیست غیر انتفاضات .

یختفى ساده النظام القدیم ، أمام الثوره الشعبیه ، بسرعه مدهشه . یهربون من البلاد لیتآمروا آمنین فى مکان آخر ، مبتکرین الوسائل من أجل عودتهم .

تختفى الحکومه السابقه . یتردد الجیش أمام مد الرأى الشعبى ، و لا یعد طائعا لقادته ، الذین یرحلون أیضا بحکمه . تقف القوات على مقربه بغیر تدخل ، أو تنضم للمتظاهرین . تقف الشرطه مسلمه ، غیر واثقه ان کانت تهاجم الحشد أو تصرخ : تحیا الکومیونه ! ، بینما یتراجع البعض الى مقراتهم ” فى انتظار ملذات الحکومه الجدیده ” . یحزم المواطنون الأغنیاء حقائبهم و یلتجئون الى أماکن آمنه . و یبقى الشعب .

هکذا تُعلن الثوره . ینادى بالکومیون ، فى العدید من المدن الکبیره . یطوف الآلاف من الناس فى الشوارع ، و یحتشدون فى نوادى مرتجله فى المساء ، سائلین : ماذا سوف نفعل ؟ . یناقشون ، بحماسه ، الشأن العام – الذى یهتم به الجمیع : أکثر المتحمسین ، ربما ، هم هؤلاء الذین کانوا فى الماضى أکثر اللامبالین . فى کل مکان ، هناک الکثیر من حسن النیه و الرغبه العارمه فى تأکید الانتصار . انه وقت التفانى الفائق . و الناس مستعدون للمضى قدما .

کل هذا رائع و جلیل ، لکنه – ما یزال – لیس الثوره . کلا . سیبدأ الآن فقط عمل الثائر .

سیتم ارضاء عطش الانتقام ، بلا شک . و سوف یدفع أنصار واترین و توماس عقوبه عدم شعبیتهم * ، لکن هذا الأمر من حوادث النضال فقط و لیس ثوره .

یهرول السیاسیون الاشتراکیون ، الرادیکالیون ، عباقره الصحافه المهمشون ، الخطباء ، مواطنو الطبقه الوسطى ، و العمال الى دار البلدیه و مکاتب الحکومه ، و یستحوذون على المقاعد الشاغره . یبتهج قلب بعضهم بالزرکشات المذهبه * – معجبین بأنفسهم فى المرایا الوزرایه – و یدرسون لاعطاء الأوامر بأجواء من أهمیه تتناسب مع وضعهم الجدید . یجب أن یملکوا وشاحا أحمر ، قبعات مطرزه ، و ایماءات وقوره متسلطه لکى یأثروا على رفاقهم فى المکاتب أو المصانع . بینما یدفن البعض الآخر نفسه فى الأوراق الرسمیه ، محاولا – بأفضل الارادات – تحدید رأسها من ذیلها .

یخطون القوانین و یصدرون المراسیم الکلامیه المحلقه عالیا ، و التى لن یتحمل عناء تنفیذها أحد ، لأن الثوره جاءت . یسعون لاقرار الأنماط القدیمه للحکم ، باعطاء انفسهم سلطه ” لم یعد لها وجود ” . و یحملون أسماءا مثل : حکومه مؤقته / لجنه الأمن العام / محافظ / حاکم البلدیه / مفوض المصلحه العامه ، و ما غیر ذلک . یجتمعون ، بانتخاب أو تزکیه ، فى لجان أو مجالس بلدیه ، من عشره أو عشرین تیار مختلف – لیسوا بالظبط جوقات منعزله – و انما – على الأقل – العدید من الطوائف التى تمثل العدید من الأسالیب فیما یتعلق بنطاق و اتجاه و هدف الثوره .

یتبارز معا الاصلاحیون ، الجمعیون ، الرادیکالیون ، الیعاقبه ، و البلانکیون * . یهدرون الوقت فى حروب کلامیه . یتداخل الرجال المخلصین مع الطامحین – الذین حلمهم الوحید هو القوه ، و یزدرون الحشود أینما ظهروا . یتلاقون معا بوجهات نظر متناقضه تماما ، و یُجبَرون على تکوین تحالفات متعسفه فى سبیل خلق أغلبیه لا تستمر الا یوما . یتشاحنون ، و قد دعوا بعضهم البعض بالرجعیین و المستبدین و الأوغاد ، غیر قادرین على الوصول لفهم بأى مقیاس جدى . ینسحبون فى مناقشات بشأن تفاهات ، و لا یقدمون شیئا أفضل من التصریحات الرنانه . لکنهم – مع ذلک – یأخذون أنفسهم بجدیه ، غیر عالمین أن القوه الحقیقیه للحرکه فى الشارع .

کل هذا یمکنه أن یسعد هؤلاء الذین یحبون المسرح . لکنها لیست الثوره . لم یتحقق شئ بعد ، فى الوقت الذى یعانى فیه الناس . المصانع عاطله عن العمل . ورش العمل مغلقه . الصناعه فى رکود تام . العامل لا یتقاضى حتى الأجر الهزیل الذى کان له من قبل . أسعار الطعام ترتفع . لکن الناس تنتظر بصبر ، مع هذا الاخلاص البطولى الذى یمیزهم دائما ، و الذى یصل لأقصاه فى الأزمات الکبرى ، قائلین ، فى عام ۱۸۴۸ : ” نحن نضع تلک الشهور الثلاثه من الحاجه فى خدمه الجمهوریه ” ، بینما کان یتلقى ( ممثلیهم ) و الساده نبلاء الحکومه الجدیده أجرهم بانتظام ، و قد وصلوا لأحقر احساس ذاتى تافه بأهمیه المنصب .

الناس تتألم . و یظنون – مع ایمان طفولى و حس فکاهى لجماهیر تثق فى قادتها – أن ” هناک ” ( فى المجلس التشریعى ، فى دار البلدیه، فى لجنه الأمن العام ) توضع مسأله رفاهیتهم فى الاعتبار . و لکنهم ” هناک ” یناقشون کل شئ تحت الشمس ، باستثناء رفاهیه الناس . عندما اجتاحت المجاعه فرنسا ، فى عام ۱۷۹۳ * ، و أقعدت الثوره ، و بینما کان الناس یرتدون لأعماق البؤس ( و الشانزلزیه یصطف بالعربات الفاخره حیث تتباه النساء بالمجوهرات و البذخ ) ، کان روبسبیر یحث الیعاقبه * لمناقشه اطروحتهم بخصوص الدستور الانجلیزى . بینما کان العمال یعانون ، فى عام ۱۸۴۸ ، من الانقطاع العام للتجاره ، کانت الحکومه المؤقته و المجلس التشریعى یتشاحنان بخصوص المعاشات العسکریه و عمل السجن – بغیر عناء التفکیر ، بشأن کیفیه معیشه الناس فى ظل هذه الأزمه .

و ان کان للمرء أن یلقى لوما على کومیونه باریس – تلک التى ولدت تحت مدفع البروسیین ، و استمرت سبعین یوما فقط – سیکون من أجل نفس الخطأ : هذا الفشل فى فهم أن الثوره لا یمکنها أن تنتصر الا عندما یُطعم هؤلاء الذین یقاتلون فى جانبها . اذ أنه ، بخمسه عشر بنسا فى الیوم ، لا یستطیع الرجل أن یحارب على المتاریس ، و فى نفس الوقت ، یعول أسره .

…………………………………………………………………….

* هوامش الترجمه :

۱ .  النص هو مقطع من الفصل الثانى من کتاب ” الاستیلاء على الخبز ” . أما العنوان فمن وضع المترجم .

النص الأصلى :  http://theanarchistlibrary.org/HTML/Petr_Kropotkin__The_Conquest_of_Bread.html#toc8

۲ . بیتر کروبوتکین : لاسلطوى روسى ، واحد من أهم المنظرین للشیوعیه اللاسلطویه ” الشیوعیه الأنارکیه ” . قام بتألیف العدید من الکتب و المقالات ، موضحا الأسس المنطقیه و العلمیه التى تؤکد امکانیه تطبیق الأفکار اللاسلطویه بشکل سلس و فعال على الأرض . من أهم تلک الأعمال ” الاستیلاء على الخبز ” ، ” الحقول ، المصانع ، و ورش العمل ” ، ” الأخلاق : الأصل و التطور ” و ” المساعده التبادلیه : عامل للتطور ” .

۳ . کومیونه باریس ( ۱۸ مارس – ۲۸ مایو ۱۸۷۱ ) : موجه ثوریه قامت على اکتاف الطبقه العامله ، بسبب تردى الأوضاع الاقتصادیه – خصوصا بعد الهزیمه الفادحه لفرنسا فى الحرب ضد بروسیا . أسقط الباریسیون حکومه أدولف تییر ، و انتخبوا بدلا منها مجلسا محلیا (الکومیونه ) تضمن العدید من العمال و غیر العمال على اختلاف طوائفهم السیاسیه ( من اصلاحیین الى رادیکالیین ) . ألغت الکومیونه التجنید الاجبارى و الجیش النظامى ، و أحرقت المقصله علنا ، فى الوقت الذى رتبت فیه لاتخاذ بعض السیاسات الاشتراکیه – لم تستطع تحقیق معظمها لقصر عمرها . انتهت بتحالف السلطات المرکزیه ضدها ، المنتصره ( بسمارک من بروسیا ) و المنهزمه ( تییر من فرنسا ) و اجتیاح الجیش الفرنسى الحکومى – بالتنسیق مع البروسیین – باریس ، و اعدام الآلاف من سکان المدی.

۴ . ثوره فبرایر ۱۸۴۸ : أسقطت الحکم الملکى ، و أسست للجمهوریه الفرنسیه الثانیه .

۵ . جاک لیونار کلیمنت توماس : جنرال فرنسى حکومى ، کُلف بالقضاء على ثوره الباریسیین مع بدایه نشأه الکومیونه . لم یطع جنوده الأوامر باطلاق النار ، و تم أسره و اعدامه .

۶ . یقصد ملابس الحکم الرسمیه فى ذلک الوقت

۷ . التیارات السیاسیه التى شارکت فى اداره کومیونه باریس

۸ . من ضمن أحداث الثوره الفرنسیه ( ۱۷۸۹ – ۱۷۹۹ (

۹ . شخصیات سیاسیه بارزه فى الثوره الفرنسیه

http://anarchisminarabic.blogspot.com/2012/01/blog-post.html?m=1